الغارات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية في 22 يونيو لم تحقّق حسمًا نهائيًا، بل تركت أثرًا غامضًا على المدى البعيد. رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية النووية الإيرانية على المدى القصير، يبقى مستقبل البرنامج غير واضح، بينما ترفض طهران التخلّي عن طموحاتها في تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية.

هذا الوضع يشكّل تحديًا للولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، ويقوّض الرهانات على الردع الأميركي أو آليات منع الانتشار النووي.

ورغم ذلك، أضعفت الضربات القدرات العسكرية للنظام الإيراني، ما يفتح نافذة قصيرة أمام جهود دبلوماسية لتحويل التدخّل العسكري إلى نقطة تحوّل.

لتحقيق ذلك، تحتاج واشنطن إلى الاستفادة من موقف أوروبا المتشدد، والتنسيق مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة (مجموعة E3)، بالإضافة إلى إشراك شركاء عرب، وروسيا، والصين.

المعضلة أمام الأوروبيين تكمن في إثبات جدواهم لإدارة ترامب، التي فرضت نهجًا قاسيًا وغير تقليدي، وقلّصت دورهم.

عليهم كسب موطئ قدم في المفاوضات مع إيران وإسرائيل.

ورغم ضعف تأثيرهم في أوكرانيا وغزة، يمكن للأوروبيين لعب دور محوري في ثلاث ملفات:

  • استعادة عمليات التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية
  • التأثير على حسابات طهران المستقبلية
  • الدفع نحو اتفاق أشمل يخفف ذرائع إسرائيل لتجديد الحرب.

في تطوّر غير متوقّع، باتت الدول الأوروبية، وخصوصًا فرنسا، هي الأكثر تشددًا حيال إيران.

بينما تعيد إدارة ترامب إنتاج رؤية أوباما الضيقة التي ركزت فقط على الملف النووي، يدفع الأوروبيون باتجاه قيود أوسع، تشمل الحد من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم طهران للمليشيات في المنطقة.

هذا الطرح يمنحهم مصداقية لدى كل من إسرائيل والدول العربية.

ولا يزال مصير اليورانيوم عالي التخصيب في إيران غامضًا، كما لم تتلاشَ دوافع النظام الإيراني لامتلاك سلاح نووي.

والاتفاق النووي (JCPOA)، رغم خروقاته، يظل الإطار الوحيد الذي يسمح بعمليات تفتيش فعلية.

وبتشبّثهم بالاتفاق، يملك الأوروبيون ورقة ضغط قد تساعد الولايات المتحدة، التي انسحبت منه سنة 2018.

في ظل الغموض المحيط بالبرنامج النووي الإيراني، تصبح استعادة عمليات التفتيش أمرًا ملحًا.

فالتجسس، رغم كفاءته، لا يمكن أن يحلّ مكان التفتيش الرسمي، لأنه يخدم أهدافًا عسكرية بحتة، بينما تمنح عمليات التفتيش القدرة على كشف أي برنامج نووي سري، دون الحاجة إلى حرب جديدة.

تتحرّك فرنسا وألمانيا وبريطانيا لتفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات على طهران ضمن إطار الاتفاق النووي.

وإسرائيل – رغم استخفافها سابقًا بالمسار الدبلوماسي – أبدت دعمًا لهذه الخطوة، ما قد يعكس إدراكها لحدود الخيار العسكري في تحقيق حل دائم.

في هذا السياق، تجد إيران نفسها مضطرة للتفاعل مع أوروبا.

ورغم أن العقوبات الأميركية أكثر تأثيرًا، فإن إحياء العقوبات الأوروبية يضيف ضغوطًا مفيدة لواشنطن.

ورغم ريادة الولايات المتحدة في هذا المسار، يمكنها جني مكاسب من التعاون مع أوروبا.

منذ اتفاقيات "أبراهام" سنة 2020، تبنّت واشنطن نهجًا يركّز على المكاسب الاقتصادية، مع تجاهل الأبعاد الأيديولوجية والتاريخية للنزاعات.

أحداث 7 أكتوبر 2023، وهجمات حماس على إسرائيل، كشفت قوة تلك المحركات التاريخية، كما تعزّز التطرف الديني لدى القيادتين الإيرانية والإسرائيلية، مما يجعل تغيير مواقفهما شبه مستحيل في المدى القريب، ويهدّد بإفشال سياسات ترامب الإقليمية.

التحدّي الأكبر يتمثّل في إقناع إيران بأن السلاح النووي ليس طريقها الوحيد لضمان الردع والأمن.

فالموقف المتردد للغرب تجاه أوكرانيا بسبب الترسانة النووية الروسية، قابلته جرأة أميركية وأوروبية في دعم إسرائيل ضد إيران، ما يعمّق قناعة طهران بأن الردع النووي هو الخيار الأنجع.

ومع غياب الحسم في ضربة 22 يونيو، وتحديد رئيس الوزراء الإسرائيلي توقيتها، تقلّصت قيمة الردع في التهديدات الأميركية المستقبلية.

وأي ضربة جديدة ستكون أعنف، مما يفتح الباب لانزلاق أميركي يشبه تجارب أفغانستان والعراق.

ترامب يفضّل الضربات المحدودة، لكنه لا يريد التورط في حرب طويلة، وهو موقف قد ينقلب عليه.

الوقت يضيق أمام مسار دبلوماسي فعّال يجنّب المنطقة مزيدًا من التورط. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بإثبات قدرة واشنطن على كبح جماح إسرائيل، وجذب إيران إلى مسار تفاوضي دولي تلعب فيه أوروبا دورًا حيويًا.

https://carnegieendowment.org/europe/strategic-europe/2025/07/the-small-window-for-an-eu-us-diplomatic-push-on-iran?lang=en